الفصل الثانى

اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ العافيَةَ في ديني ودُنْيَايَ وأَهْلي ومَالي، اللَّهُمَّ اسْتُر عَوْراتي وآمِنْ رَوْعاتي، واحفَظْني مِنْ بين يديَّ ومِن خَلْفِي وعن يميني وعن شِمَالي ومِنْ فَوْقِي، وأَعُوذُ بِعَظمَتِك أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي». 


لم يَعُد الفراق مُخيفًا، يوم صار اللـقاء موجعـًا هكذا!


_ غادة السمان 


عاد إلى المنزل محملا بالحقائب المليئة بمستلزمات المنزل تنفيذا لرغبات زوجته الديكتاتورية ..اغلق الباب بقدمه نظرا لصعوبة غلقه بيده والتف برأسه فى المنزل متعجبا من حالة الهدوء التى تعم المكان فى وجود زوجته وطفله ولكنها لم تدم طويلا إذ سرعان ما عاد إلى الوراء مجفلا من احتضان طفله له صائحا :

_ بابى ..بابى 

طلت زوجته برأسها من المطبخ صائحة :

_ حمد الله على السلامه يا روحى 

وسرعان ما خرجت وهى حاملة للبصلة فى يد واليد الأخرى تحمل بها السكين مما جعله يعود إلى الوراء متوجسا لكنها فاجئته عندما احتضنته واضعة قبلة على وجنته ليصيح بصوت عالى من رائحة البصل التى تملأها تاركا الحقائب مبعدا إياها عنه وهو يتشمم بدلته :

_ بصل ..وصلت لدرجة إنك تحضنينى وانتى ريحتك بصل لا وكمان اتطورتى وماسكاها فى إيدك 

نظرت للبصلة بتعجب ثم إليه متسائلة :

_ ايه يعنى يا حبيبى ما انا مراتك لازم تحبنى فى كل حالاتى ..انت مابقيتش رومانسى زى زمان فين أيااام زمان لما كنت بتيجى من الشغل تعمل أنت الأكل وتخرجنى كل يوم ؟!!

قالت النصف الآخر من جملتها بهيام مما جعله يطرقع بأصابعه لينبهها ثم صاح بغلظة :

_ مش وقت احلامك ده ..انا جعان عايز اتغدى 

اجفلت على صياحه ثم قالت وهى تتمتم :

_ كنت اتعميت أنا عشان اتجوز ظابط ..كل حياته أوامر 

سمع تمتمتها فصاح :

_ فين الأكل ؟

أجابته وهى تزفر بإحباط وتنظر إليه فى سخط :

_ لسه بجهز الأكل .

التفت لتغادر ولكنها ارتطمت بصدره لوقوفه أمامها واضعا كلتا يديه على وجنتيها قائلا بإعتذار : 

_ آسف بس بذمتك مقدم بتترعب الناس منه وليا هيبتى ارجع البيت بأكياس الطماطم والخيار 

قالها وهو يشير إلى الحقائب التى يعبث بها طفله مثيرا الفوضى :

_ وبعدين يا حبيبتى ريحتك بصل ..فنيك حتى لو لبستيلى زى سيدة الشغالة ..انتى بتعجبينى فى كل حالاتك 

ثم اتبع قوله بوضع قبلتين على كلتا وجنتيها 

أجابت عليه مبررة : 

_ الصراحة لاا مايرضنيش بس كان نفسى اجرب شعور انك ترجع البيت زى أى زوج طبيعى بس أنت مش أى حد ..أنت حبيبى أنا فلازم تبقى استثنائى عشان كده عفوت عنك 

نقر أنفها بمشاكسه وهو يقول :

_ يخربيت الغرور 

جعدت أنفها فاحتضنها وهو تلون ثغره بسمة انتصار ثم تركها ودلف إلى غرفته مما جعلها تصيح فى ذهول متسائل :

_ هو انا ليه عندى شعور إن أنا اتاكل بعقلى حلاوة ؟!!!

ثم التفت إلى صغيرها فوجدته اخرج الطماطم وهو يأكلها بشره مثيرا الفوضى فى وجهه فقالت وهى تصيح :

_ كررريم 

فزع الصغير من صياحها فالتفت إليها بعينين تملئهما البراءة فقالت :

_ احنا مش قولنا نغسل أيدينا قبل الأكل ..ماغسلتش الTomato قبل ما تاكلها ليييه ؟!!

مد الصغير يده ببقايا الطماطم إلى والدته مما جعلها تتركه وتذهب فاقدة الأمل به وبوالده


زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً 

وارحمْ حشًى بلظى هواكَ تسعَّراً 

وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة ً 

فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي:لن تَرَى

يا قلبُ!أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ صبراً 

فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا 

إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة ، فَمُتْ بِهِ

صَبّاً، فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا 

قُل لِلّذِينَ تقدّمُوا قَبْلي، ومَن 

بَعْدي، ومَن أضحى لأشجاني يَرَى ؛ 

عني خذوا، وبيَ اقْتدوا، وليَ اسْمعوا، 

وتحدَّثوا بصبابتي بينَ الورى 

ولقدْ خلوتُ معَ الحبيبِ 

وبيننا سِرٌّ أرَقّ مِنَ النّسيمِ، 

إذا سرَى وأباحَ طرفي نظرة ً 

أمَّلتهـــا فغدوتُ معروفاً وكنتُ منكَّراً 

فدهشتُ بينَ جمالهِ وجـلالهِ 

وغدا لسانُ الحالِ عني مخبراً 

فأدِرْ لِحاظَكَ في مَحاسِن وَجْهِهِ، 

تَلْقَى جَميعَ الحُسْنِ، فيهِ، 

مُصَوَّرا لوْ أنّ كُلّ الحُسْنِ يكمُلُ صُورَة ً،

ورآهُ كانَ مهلَّلاً ومكبَّراً


كانت تقف أمام المرآة تقوم بوضع الكحل الذى أبرز لون عينيها الذهبى الخلاب واضفى إلى بشرتها الذهبية الرونق الجذاب مع شعرها العسل الذى ينسدل على ظهرها مغطيا إياه بكثافته متجاوزا ظهرها بقليل بفستانها النهارى الذى جعلها كالوردة المتفتحة وسط أنقاض الماضى ..ولج إلى الغرفة فوجدها منهمكة فى ضبط غرتها التى تغطى جبهتها ..إلتفت ناظرة إليه فوجدته شاردا لا تعرف أهو شاردا فيها أم مع أخرى ..تنحنح عندما وجدها تنظر إليه وقال : 

_ هتاخدى غزل معاكى ؟

أجابته وهى تلقى نظرة أخيرة على ذاتها فى المرآة : 

_ طبعا ..أنت عارف اسما بتحبها جدا .. وزياد بيسأل عليها دايما

امتقع وجهه عندما ذكرت أمامه عدوه اللدود والصهر المنتظر لعائلة ال كامل :

_ وزياد أفندى يسأل على بنتى ليه ؟!

استنكرت غيرته المبالغة على ابنتها وقالت :

_ ده طفل يا شهاب 

عارضها بقوله :

_ ده طفل ؟!! ..ده تصرفاته مش تصرفات طفل 

دخلت غزل بفستانها الطفولى الجميل الذى أبرز جمالها الطفولى المميز فقد ورثت جمالها من والدتها ..قالت لوالدها وهى تلتف حول ذاتها : 

_ بابى فستانى حلو ؟

التقطها والدها حاملا إياها واضعا قبلة على وجنتيها الممتلئة : 

_ غزالتى هى اللى محليه الفستان .

قبلته الصغيرة على وجنته وقالت وهى تتلمس وجهها :

بابى أنت بتشوك .

تحسس لحيته التى استطالت عن المعتاد وقال :

_ بتشوك !!

وانقض عليها وهو يقبلها وهى تقرقر بسعادة قائلة : 

_ خلاص يا بابى 

ارتسمت على وجهها بسمة سعيدة وهى ترى أهم شخصين فى حياتها سعداء ..لكن هل هو حقا سعيد ؟!!


التقت بصديقتها فى منزلها التى تقيم به مع زوجها وأخته الصغرى بعد عودتهما من الخارج ..رحبت بها اسما بحبور وهى تحتضنها :

_ وحشتينى اووى يا مريم 

بادلتها مريم الاحتضان قائلة :

_ انتى أكتر با حبيبتى ..زياد ومحمود عاملين ايه ؟

جذبتها من ساعدها وهى تقول حاثة إياها على الجلوس على الأريكة :

_ الحمد لله كويسين 

حملت غزل التى تقلب بصرها فى المنزل كالتى تبحث عن شئ وهى تقبلها من وجنتيها الممتلئتين :

_ عاملة ايه يا غزول ؟

أجابت غزل : 

_ الحمد لله يا طنط 

ثم تساءلت بفضول طفولى :

_ هو فين زياد ؟

أجابت اسما التى تلاحظ اهتمام الصغيرة بابنها :

_ زياد خرج مع عمته 

استحالت تعابير الصغيرة إلى الحزن لعدم وجود الشخص الذى بدللها ويعاملها كأميرة متوجه ..وجهت حديثها إلى مريم قائلة باقتراح :

_ نكمل فى الحديقة الجو منعش النهاردة وعشان غزول تلعب براحتها 

اماءت إليها مريم وانتقلا إلى الحديقة ..هرولت غزل إلى الأرجوحة المعلقة فى الشجرة الكبيرة وتركتهم منفردين 

_ فاتن عاملة ايه ؟

_ سافرت فى منحة جانبها فى الخارج

_ ربنا يوفقها 

صمتت قليلا حتى تستشف شيئا من صديقتها لكنها لا توحى بشئ فسألت مستفسرة حتى تطمئن عليها : 

_ اخبارك أنتى وشهاب ايه ؟

_ الحمد لله بس أنتى عارفة شهاب كل حياته عملية ..حياته كلها شغل ..شغل ..شغل 

قالت كلماتها الأخيرة فى سخط وشئ من الألم حاولت أن تخفيه ولكن صديقتها لم تنتبه إليه وقهقهت عليها ..هدأت قليلا ثم نظرت إليها قائلة :

_ الصراحة أنا مكنتش متوقعة أبدا إنك تتجوزى واحد زى شهاب فى الآخر  تحسى إنه قفل ..كل أصحابنا كانوا متوقعين إنك لما تتجوزى هيبقى واحد يقول اشعار فى رقتك وجمالك ليل ونهار .

ثم استطردت وهى تمثل الغيرة منها :

_ ده أنتى كنتى موثقة شباب الجامعة على رجل واحدة ..ولا العرسان اللى اتقدمولك ؟!

ردت عليها واعتلى وجهها تعبير من الحزن :

_ نقول ايه ..القلب وما يريد .

انتهت انتهت جلستها مع صديقتها لكن لم ينتهى شرودها بعد أن استقلت السيارة فى الأحداث التى مرت علي حياتها فى تلك السنوات التى ظنتها ستكون أفضل سنين عمرها لكن قلبت الآية وأصبحت تتمنى لو لم تتحقق أمنيتها عادت بذاكرتها لما يقل عن العشر سنوات عندما بدء حبه ينمو بين جنبات قلبها الآثم 

كانت عائدة إلى المنزل بعد أن جلبت شقيقتها ذات الاثنى عشر عاما من مدرستها فى يدها مارة بها الطريق وهى تتجنب اصطدامها بإحدى السيارات المارة لكنها لم تنتبه للسيارة الآتية بسرعة من بعيد والتى توقفت قبل اصطدامها بهم بإنشات قليلة والتى نزل منها صاحبها بعد أن تعرف عليهم بغضب من تهورهم فى عبور الطريق بهذا الشكل وهو يصيح : 

_ مريم ..فين السواق اللى بيوصلكم وراجعين لوحدكم لييه ؟

أجابته وهى تلاحظ الزى الرسمى الذى يرتديه :

_ عم محمد اتأخر النهاردة .

قال وهو يحثهم على طاعته : 

_ طب يلاا ..اركبوا أنا هوصلكم .

صعدا إلى السيارة وجلسا بالخلف ..كانت تنظر إليه وتتأمل تفاصيله الرجولية التى يألفها قلبها وتعجب بها كفتاة مراهقة غرة 

التفت إليه وقال متسائلا بعد أن انطلق بالسيارة : 

_ فى سنة كام دلوقتى يا مريم ؟

تطرقت رأسها أرضا خوفا من ملاحظته لمراقبتها له وأجابت بخفوت :

_ تانية ثانوى 

أشار إلى شقيقتها التى تنظر إليه بفضول وتساءل بمرح يخص به المقربين منه : 

_ والقطقوطة دى ؟

أجابت شقيقتها بتسرع وكأنها تخبره عن إنجاز عظيم : 

_ أولى إعدادى .

مر الطريق معه بسلاسة وراحة وغبطة لقلبها السعيد برؤيته بعد هذه المدة الطويلة ..اوصلهم إلى منزلهم الذى كان يجاور منزله القديم قبل انتقالهم .





ارجع رأسه إلى الخلف مستندا على رأس المقعد يقتله التفكير بالاحداث المتواترة عليه وأكثر ما يشغله تغيرها على مر الأيام ..لماذا تغيرت وجهمت عندما فاتحتهم والدته فى الإنجاب مرة أخرى أتكره أن يكون لها طفلا منه لهذه الدرجة ؟! وإذا كان كما يفكر لما انجبت غزل نفى تفكيره فى هذه النقطة ..ولكنها أخذته إلى مكان آخر يتذكر جيدا بعد زواجهم مباشرة كانت الفرحة والسعادة تشع من وجهها خلاف الفترة الصعبة التى كانت تمر بها عائلتهم ..ولكنها بعد فترة من حملها بغزل لاحظ  تغيرها والألم والخيبة المرتسمان على وجهها وانطفاءها حتى انعزالها الحسى عنه كانت وردة متفتحة حتى ظن أنها أحبته ولكنها ذبلت مما نفى شكوكه هذه تماما انتبه للطرقات على الباب فاعتدل وسمح الطارق بالدخول الذى لم يكن سوى أخيه الأصغر شاهد ..دخل وجلس على المقعد المقابل له وقال : 

_ يا ابنى أنا نفسى فى مرة الاقيك بتقضى اجازتك مع مراتك وبنتك .

وتابع مشفقا :

_ حقيقى ربنا يكون فى عون مريم عليك 

قاطعه أخيه بإشاره من يده وقال :

_ عارف الاسطوانة المعتادة أنت ماتستاهلهاش والكلام ده كله .. أنت عارف إن أنا مش بطيق قعدة البيت ولازم اشغل نفسي

_ ما قولتليش كنت جاى ليه ؟

اجابه : 

_ كنت جايلك عشان المؤسسة الخيرية بتاعت شريف 

ارتسمت على وجهه الألم عند ذكر أخيه المفقود لكنه سرعان ما أخفى دواخله قائلا : 

_ كنت هروح اطمن على الوضع بكرا .





خرجت إلى الحديقة وجدت ابنتها مرابطة إلى جانب حيوانها المفضل وتربت على جسده وهى تنظر إليه بحزن سارت إليها وتساءلت بقلق : 

_ مالك يا ملك ؟ 

التفت إلى والدتها وأجابت بحزن : 

_ فلانتينو يا ماما 

وجهت بصرها إلى جسم فلانتينو الهامد بغرابة وتساءلت : 

_ ماله ؟ 

_ زى ما انتى شايفة كدا هامد ومش بيتحرك وباين عليه تعبان أووى .

أجابتها الأم بعد أن نزلت إلى مستواها وهى تمسد على فلانتينو الذى نظر إليها بعيونه الهامدة كجسده :

_ ما تقلقيش هيبقى كويس .



_ حبيبتى يا كركر اتصلتى فى وقتك كنت محتاجة حد معايا وانا بكشف على كوكى .

كان هذا صوت عائشة التى تتحدث إلى كارما فى الهاتف 

أجابتها كارما : 

_ بس كدا هأكل كريم وأجهزة وانزلك .

_ كيرو حبيبى جيبيه معاكى وحشنى أوى الخلبوص ده .

_ وأنتى كمان وحشتينى يا عائش .

رد عليها كريم عندما استمع إلى صوتها عبر مكبر الصوت 

بعد مهلة من الزمن نزلت كارما إلى عائشة التى تنتظرها أمام شقتهم مع نعامتها الضخمة ..هرول إليها كريم واحتضنها فى حب واشتياق : 

_ عائش 


   







 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تابع الفصل الثاني