تابع الفصل الثاني
بعد مهلة من الزمن نزلت كارما إلى عائشة التى تنتظرها أمام شقتهم مع نعامتها الضخمة ..هرول إليها كريم واحتضنها فى حب واشتياق :
_ عائش ...عائش مش بتيجى عندنا ليه ؟
أجابته عائشة التى قابلت احتضانه لها عبر ملئ وجهه بالقبلات :
_ اعمل ايه يا كيرو ؟! ..الامتحانات طحنانى .
أشار الطفل بيديه إشارة إلى التحطيم وقال :
_ اطحنيها أنتى .
ضحكت على قوله هى ووالدته المراقبة لهم وقالت :
_ وأنا هتوقع ايه من ابن ظابط ..أكبد هيطلع عنيف .
رجعت ببصرها للخلف إلى نعامتها لكنه وجدتها اختفت فطلت من أعلى الدرج ووجدتها سبقتها ونزلت مما جعلها تحك فى رأسها بغباء وهى تقول :
_ باين عليها كوكو زهقت !!
ضحكت كارما عليها وهى تشير إلى طفلها كى يتمسك بيدها قائلة :
_ حتى حيواناتك غريبة.
تجاوز البوابة الخارجية بسيارته الفارهة وهبط منها عندما لاحظ جلوس زوجته ووالدته فى الحديقة كالمعتاد يتناولان مشروبهم اليومى وابنته تجلس بجوار قطتها ناصعة البياض التى جلبها لها فى إحدى المرات كى يصالحها ..انتبهت إليه طفلته فهرولت تجاهه وهى تنادى :
_ بابى
التقفها وحملها متجها إلى موضع جلوسهم وهو يسألها :
_ وصلتوا امتى ؟
أجابته وهى تشير باصبعيها السبابة والإبهام :
_ من شوية صغيرين .
تساءل بغيرة لم ترتبط بسواها هى ووالدتها :
_ لعبتوا انتى وزياد مع بعض ؟
أجابت بحزن لعدم تمكنها من رؤية صديقها المفضل والمرح معه فلا أحد يدللها كما يدللها زياد :
_ لاا ..زياد مكانش موجود .
ارتسمت على وجهه الارتياح والسعادة لعم تواجد غريمه أثناء زيارتهم ..القى التحية على والدته وزوجته التى أجابته بفتور ووالدته بحنان تخص به أبناءها ..انتبه على شرود زوجته فتنحنح ملقيا تساؤله :
_ مالك يا مريم ؛ فى حاجة حصلت ؟
التفت إليه تتأمل وجهه وكأنها تريد النفاذ إلى أعماقه وتعلم دواخله ولكنه كالكتاب المغلق لا يسمح لأحد بمعرفة ما يضمره ..ناداها عندما وجدها عادت إلى شرودها مرة أخرى ولكن به هذه المرة :
_ مريم !!
أجابت وهى تفرك جانب رأسها :
_ لاا ..بس عندى صداع بسيط
استدعى الخادمة وهو يشير إليها :
_ كوباية مايه ودوا الصداع لمدام مريم .
اومأت الخادمة بطاعة وسارعت إلى تلبية أوامر رب عملها ..التفت إلى والدته المتابعة لحوارهم بصمت وتساءل :
_ وانتى يا ماما عاملة ايه ؟
أجابته والدته بحنان :
_ الحمد لله يا حبيبى بخير طول ما انتو بخير .
جاءت الخادمة بكوب الماء ودواء الصداع وهى تناولهم لسيدتها التى قالت بعد أن أخذتهم منها وتناولتهم :
_ جهزى السفرة يا كريمة .
اماءت الخادمة بطاعة وانصرفت لتنفيذ طلب سيدتها
حادت ببصرها الجالس قبالتها يشاكس طفلتهم وتساءلت :
_ شاهد ماجاش معاك من الشركة !!
توقف عن مشاكسة طفلته التى برمت شفتيها بعبس طفولى لذيذ والتفت لها قائلا باقتضاب :
_ لسه عنده شغل هيخلصه وييجى.
همهمت باهتمام وقالت :
_ السفرة تجهز ويكون وصل ..
وافقها على استنتاجها وعاد إلى طفلته التى زال الحزن عن وجهها بعودة اهتمام والدها لها .
هبط عمر من سيارته التى أقل بها شقيقته وحيوانها الأليف ..وكان أول ما جذب نظره نعامة ضخمة مع طفل صغير بجانبها فتاة محتشمة الملبس تضع يدها على ظهر النعامة ..أعاد انتباهه إلى شقيقته التى تحدثت وهى تحاول إنزال فلانتينو المعترض :
_ عمر ساعدنى ڤلانتينو مش راضى يخلينى اشيله .
اتجه إليها عمر كى يحمل ڤلانتينو ..حمله واغلق السيارة ثم سار إلى جانبها باتجاه المركز الطبى ..دخلا المركز الطبى الذى رحبت بهما موظفة الاستقبال به وحملت منهما ڤلانتينو ..أدار بصره فى المكان ولاحظ نفس الطفل الذى كان مع النعامة ولكن مع امرأة أخرى
_ كوكو ..كوكو ..كوكو ...استنى عندك .
كان هذا صوت عائشة وهى تهرول خلف نعامتها الضخمة ..التف عمر برأسه إلى مصدر الضربة وجدها نفس الفتاة المحتشمة لكنه الآن يراها كاملة ببهائها الجذاب ..افاق من شروده فى حسنها على صياحها له واتجاهها نحوه :
_ اتحرك من عندك ..اتحرررك ..أنت يا بنى آدم خد بالك .
وجه بصره للشئ الذى يهرول اتجاهه وجدها ذات النعامة الضخمة والتى اعاق وصولها إليه وقوفها أمامه ظهرها إليه ووجهها إلى النعامة فاردة ذراعيها كى توقفها قائلة إليها :
_ كوكو ..حبيبتى ..اهدى .
لا يصدق إلى الآن هذه المسرحية الهزلية التى تجرى أمامه ..هذه الفتاة المجنونة و شقيقته التى تنظر إلى النعامة كالفناة الصغيرة التى تعجبها لعبة فتاة آخرى وتتوق للعب بها
_ حبيبتى ..خلاص مفيش حقن
تمسد على ظهر النعامة بنعومة كأم تحنو على طفلها والمعلمة تميل برأسها عليها كالطفل الذى يحتضن أمه ..كل هذا وسط ذهول عمر الذى حاول الاقتراب إليهم ولكن النعامة رفعت رأسها وحاولت القبض على يده بفمها ولكنه أسرع بإبعادها عن متناول يدها مما جذب انتباه عائشة فأدارت رأسها إلى الخلف ولكن الذى تستطيع رؤيته هم ساقان طويلتان ..رفعت بصرها إلى الأعلى قليلا مما أتاح لها رؤية وجهه ..وجدته شاردا فى عينيها مما جعل الغضب يزحف إليها وهى تقول :
_ فى حاجة حضرتك ؟!!
افاق من شروده على صوتها الغاضب وشرارة عينيها التى ستحرقه حيا ..أشار إلى الممر وقال :
_ حضرتك قافلة الطريق!
انزاحت عن الطريق بنعامتها وسار هو بخطاه إلى شقيقته التى تفغر فاهها ببلاهة كأنها لأول مرة ترى نعامة .
هرول كريم إلى عائشة محتضنا النعامة وقال بطفولة:
_ مين اللى خوف كوكو
أجابت عليه عائشة وهى تربت على شعره الأشقر :
_ خافت من الحقنة .
أتت إليهم كارما قائلة بسخرية وهى تشير إلى النعامة :
_ يا بنتى هو انتى لازم تفضحينا كل مرة نيجى فيها المركز انتى وحيواناتك ..الناس اترعبت بسببك !
_ انتو اللى خوافين !
حثتها عائشة على المتابعة للداخل قائلة :
_ الدكتور منتظرنا جوا يلا
لم يستوعب حديث سكرتيرته عندما قالت انها تنتظر مقابلته بالخارج يعلم جرائتها واختبرها ولكن أن تأتى إليه بنفسها لم يتوقع شئ كهذا منها ..فاق من شروده على محياها الذى طل من الباب الذى خرجت منه السكرتيرة ودعتها إلى الدخول بعد أن أذن لها .
دخلت وأغلقت الباب وراءها ..تقدمت نحوه واردفت وهى تطلع إلى محياه بإشتياق :
_ عامل ايه يا شهاب ؟
أجابها وهو يحاول ألا يغرق فى تأملها كما السابق :
_ الحمد لله ..اتفضلى
وأشار إلى المقعد أمامه كى تجلس عليه
جلست على المقعد فى حين استقام من مقعده وجلس مقابلها ولا تفصل بينهم سوى الطاولة التى يضع يده عليها فوضعت يدها عليها وهى تقول بحنين :
_ وحشتينى أوى يا شهاب .
وتساءلت بلوم :
_ ما وحشتكش ؟!!
بأى حق تسأل هذا السؤال بعدما حدث من والدها ومنها ..سحب يده من أسفل كفها مما جعلها تسحبها وهى ترمقه بلوم كأنه حرمها من حقها فيه ..أى حق وهى من تخلت ..رفع سماعة الهاتف وطلب من منال القهوة لهم وعاد ببصره لها فقالت وعيناها تلمع بإنتصار :
_ لسه فاكر قهوتى !!
كان تقرير أقرب منه إلى السؤال
_ مفيش حاجة تعدى عليا وانساها ..انتى ناسية انى ظابط !!
أجابته بإيحاء :
_ لاا مش ناسية ..بس باين أنت اللى نسيت كل حاجة كانت بينا .
أجابها باقتضاب :
_ طبعا لازم انسى ..انتى ناسية انى متجوز وعندى طفلة دلوقتى !!
تغيرت ملامح وجهها وانطفأت لمعة عيونها وهى تجيب :
_ لاا ..مش ناسية .
تعليقات
إرسال تعليق