المقدمة

الحياة كالبيانو هناك أصابع بيضاء وهي السعادة، وهناك أصابع سوداء وهي الحزن، ولكن تأكّد أنّك ستعزف بالاثنين لكي تُعطي الحياة لحنًا.

_مقتبس


_مامى ..هو بابى اتأخى اوى كدا ليه ؟! هو وحشنى هو انا مش وحشته ؟!

قالتها الطفلة الصغيرة بحزن وهى تبرم شفتيها الطفوليتين مما جعل والدتها تقبلها فى شره لمنظرها الطفولى اللطيف والمحبب إلى قلبها وتقول وهى تحتضنها :

_لاا طبعا اكيد وحشتيه كتير ..بابى مش يقدر يزعل غزالتى أبدا 

_طبعا هو فيه عندى أغلى من الغزال بتاعى!!

التفا الاثنين إلى مصدر الصوت ثم هرولت الطفلة ملقية نفسها فى أحضان والدها الذى مال إلى الأرض كى يلتقطها وهى تصيح بسعادة :

_شهوب 

احتضنها والدها وهو يغرق وجهها بالقبلات اشتياقا لها ولطفولتها البريئة قائلا بمرح :

_لو حد من الشغل سمعك وانتى بتقولى شهوب الهيبة بتاعتى هتنزل فى الأرض .

هل سيقولوا عنها مجنونة لو قالت إنها تغار من ابنتها وتتمنى لو كانت مكانها تتمتع بأحضانه وقبلاته ودفئه الذى يغمر به طفلتهم ولمعة عينه التى لا تراها الا عندما ينظر إلى طفلته ابعد ابنته عن احضانه وهو يخرج شئ ما من حقائبه مناولا إياها قائلا :

_شوفى جبت لغزالى ايه ..غزل البنات اللى بتحبه .

تناولت الطفلة منه غزل البنات وهى تصيح بحماس :

_يعيش بابى .

والتف إليها منتبها على شرودها به الذى طال قائلا :

_مريم 

أفاقت من شرودها على صوته الذى اشتاقت إليه كالمتعطش إلى قطرة مياه فى صحراء قاحلة :

_ نعم 

مد يده إليها بالشوكولا المفضلة إليها لا تنكر أنه يهتم بها كزوجته وام ابنته لكنها تطمع فى أكثر من هذا ياليت قلبه يشعر بها ..


بعد لحظات


كانت تخرج له ملابسه حتى يخرج من الحمام التفت إليه عندما خرج يغطى جزعه السفلى بالمنشفة ويضع منشفة صغيرة على كتفيه كان يجفف بها شعره التقت عينيه بنظراتها إليه مما جعلها تخفض وجهها حتى لا تفضحها مشاعرها ولا تعلم أنها بالنسبة له كالماء الأملس الشفاف يستطيع قراءتها كالكتاب المفتوح ..نقية كنقاء الحليب قالت :

_حضرتلك اللبس ...هخرج اتطمن على غزل 

وسارت تتجاوزه ولكنه أمسك برسغها معيدا إياها أمامه مما جعلها تجفل للمسته وتدب القشعريرة بدنها كمراهقة غرة لا تفقه شئ وليست امرأة متزوجة لما يزيد عن الخمس سنوات ..رفع وجهها إليه متأملا ملامحها الفاتنة التى تغرى القديس كانت جميلة جمال موجع للقلب ولكن قلبه ذاق الوجع حتى اكتفى ..نظرت إليه بانشداه لوهلة قطعه اقترابه منها ممحيا المسافات بينهم بقبلة كانت بداية لعاطفة اغرقتها وماهى إلا عاشقة ..


فى حى للطبقة المتوسطة


دخلت بغوغائيتها المعتادة على والدتها فى المطبخ التى تصدع فيه صوت وردة الجزائرية قائلة بنزق :

_ايه ده يا ماما الاكل لسه ماجهزش ؟!!

التفت إليها والدتها مستنكرة قولها فهى لم يمضى على تناولها للطعام ساعة كاملة قالت وهى تشير بما فى يدها مهددة :

_لو مامشيتش من وشى دلوقتى هعملك إعاقة دائمة .

واكملت وهى تكاد تقتلع خصلات شعرها مما تفعله بها :

_انتى مش لسه ناسفة طبق المحاشى اللى جبته ام محمود .

تصنعت الحزن ببراعة قائلة تنفى عن نفسها التهمة :

_ظلم مش انا اللى نسفته ده ابن المفترية قاسم .

ولكنها انتبهت على ذلة لسانها مما جعلها ترفع وجهها لوالدتها التى ساد الوجوم وجهها والقتها بما فى يدها لكنها هرولت إلى الخارج مسرعة وهى تقول :

_ايه يا جوجو ذلة لسان .

اصطدمت وهى فى طريقها إلى الخارج بأخيها قاسم الذى قال لها و هو ينظر خلفها مدركا ما أثارته بمشاكستها مع والدتها :

_ايه المصيبة اللى عملتيها الدور ده ؟!

تصنعت البراءة وهى تجيبه مشيرة إلى نفسها :

_ أنااا ..هو انا بتاع مصايب؟!!

_ده أنتى نفسك مصيبة .

شعر بشئ يلمس قدمه من الأسفل فنظر إليه بإجفال مطلقا صرخة مذعورة من الثعبان الذى تلقفته شقيقته ضاممه إياه إلى صدرها وكأنها تحتضن حبيبها وليس ثعبان سام هو الرجل يرتعد منه وهى تضحك بهيستيرية على رد فعله مما جعله يوقن أن شقيقته مختلة 

تنفست بعمق بعد هيسترية الضحك التى إصابتها وهى ترد على سؤاله الذى ألقاه ..من أين أتى هذا الشئ ..ومن جلبه :

_ده سباعى 


ليالينا ليالينا

وتاهت بينا ليالينا 

ليالينا ليالينا

وتاهت بينا ليالينا

وتاهت بينا ليالينا

ليالينا ليالينا

وقولنا نرسى

نرسى على مينا

وتاهت بينا تاهت

ليالينا ليالينا

وقولنا نرسى

نرسى على مينا

مشينا وادينا من غير اهالينا

ولا حد بيسأل فينا


تتأمل ملامحه المستغرقة فى النوم بولهه تعشقه بكل ما للكلمة من معنى ولكنه عشق يفتقر إلى الأمان ..الدفا  وما أقساه من شعور أن تكون بين ذراعى الحبيب وتفتقر إلى الأمان ..تقلبت إلى الجهة الأخرى فهالها ما رأت من ضياع مسطر على وجهها فقامت نافضة عن عقلها وساوسه.. واتجهت إلى غرفة ابنتها غزل التى تعتنى بها المربية الخاصة بها علها تنسيها رثائها لحالها فى ابتسامتها الطفولية ومشاكستها الدائمة :

_غزل حبيبة ماما بتعمل ايه ؟

التفت إليها الصغيرة بعدما كانت توجه كامل انتباهها لدميتها واستقامت وهى تمدها إلى والدتها مجيبة بسرور :

_بصى يا ماما انا عملتلها ضفيرة 

نظرت والدتها إلى ماتسميه طفلتها ضفيرة ولكنها بالحقيقة قنبلة وانفجرت فى شعرها انفجرت فى الضحك فتذمرت صغيرتها وهى تنظر إلى الدمية تحاول تبين ماالخطأ فى ضفيرتها 

التقطت يد طفلتها بحماس وهى تقول :

_تعالى نخرج الحديقة نلعب مع كوثر 

التقيا فى طريقهم للخروج بالخادمة التى أخبرتهم بوجود الست الكبيرة فى الخارج تتناول الشاى 

تركت الصغيرة يد والدتها وهرولت إلى جدتها الجالسة على مقعد من المقاعد المتراصة حول طاولة دائرية تظللها شجرة عتيقة منادية :

_ناانا 

التقطت الجدة حفيدتها محتضنة إياها وهى تقول :

_ يا قردة مش قولنا مانجريش كدا عشان مش تقعى  وتجرحى نفسك .

نفت الطفلة كلام الجدة وهى تحرك إصبعها ورأسها سويا وقالت : 

_ انا مش جييت .

ضحكت الجدة على حرف الراء الضائع لديها وقبلتها قائلة :

_ اه انتى مش جريتى خااالص .

انتبهت إلى جلوس كنتها فى المقعد المجاور وسألت :

_ شهاب رجع .

امأت برأسها :

_اه رجع ..

تساءلت مستفسرة اختفاءه : 

_ أول مرة ما يدخلش عندى أول ما ييجى !!

قبلت كنتها يدها بحب تكنه لهذه المرأة التى أخذت مكانة والدتها التى حرمت منها وربتت عليها بحنان مجيبة :

_ هو بس كان جاى تعبان ونايم دلوقتى أكيد لما يقوم هيجيلك ..وهو لما رجع انتى كنتى خارجة سأل عليكى مالقكيش .

حادت ببصرها لحفيدتها التى تحاول التحرر من أحضانها وهى تقول :

_كوكى ..كوكى 

حررتها الجدة من أحضانها فهرولت الطفلة إلى قطتها ناصعة البياض


دخلت غرفة المعيشة التى يجلس بها زوجها منذ أتى من العمل وهو ليس بحالته الطبيعية وجدته يجلس على الأريكة أمام التلفاز ومسلسله المفضل معروض لكنه شارد غير منتبه له جلست بجانبه مناديه إياه آفاق من شروده على صوتها وهى تسأله :

_ مالك يا غالى فى حاجة حصلت فى الشغل ؟؟

نفى ما تقوله واجاب :

_ لاا ..انا بس قلقان على عائشة .

ربتت على يديه بمواساة وقالت بيقين :

_ ماتخافش عليها بنتى وعارفاها هى اه متهورة بس بتعرف تتصرف .

التفت إليها والقلق مازال ينهش قلبه على مشاكسته وفلذة كبده :

_ انا واثق فيها وفى تصرفاتها بس قلقان من الحيوان اللى مش راضى يسببها فى حالها ده ..انا عارف أنه بيضايقها فى الرايحه والجايه وهى مش بتتكلم عشان ماتقلقناش .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تابع الفصل الثاني